عبد الله بن محمد الوابلي – نائب سمو رئيس مجلس إدارة جمعية البيئة ومكافحة التصحر
البيئة هي الحاضنة الأساسية للحياة، فهي مصدر الهواء النقي، ومنبع المياه العذبة، وأساس التوازن الضروري لاستمرار العيش على كوكب الأرض. ومع ذلك، تواجه البيئة اليوم تهديدات متزايدة بسبب التلوث والتغير المناخي، مما يستدعي تكاتف الجهود للحفاظ عليها من أجل حياة أفضل للأجيال القادمة. حيث تشمل التحديات البيئية تلوث الهواء والمياه، وإزالة الغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، والانبعاثات الكربونية المتزايدة التي تسهم بتكون ظاهرة الاحتباس الحراري. لذا فإن مواجهة هذه التحديات تتطلب حلولًا شاملة تعتمد على التعاون الدولي وسن التشريعات والإصلاحات البيئية المستدامة.
يُعد التلوث البيئي من أخطر التحديات التي تواجه العالم اليوم، حيث تنتج الصناعات البشرية سنويًا ملايين الأطنان من النفايات، خاصة البلاستيكية، التي تؤثر سلبًا على البحار والأنهار، مما يؤدي إلى تدهور الحياة البحرية وانتقال الملوثات إلى السلسلة الغذائية للإنسان. حيث تشير التقارير إلى أن ما يقارب (11) مليون طن من المخلفات البلاستيكية تُلقى في البحار والمحيطات سنويًا، مما سيؤدي إلى كارثة بيئية تهدد الحياة البحرية والتوازن البيئي. بالإضافة إلى ذلك، فإن حرق النفايات البلاستيكية ينتج عنه انبعاثات سامة تؤثر على صحة الإنسان وتسهم في زيادة الاحتباس الحراري. كما أن تلوث الهواء الناتج عن مداخن المصانع وعوادم السيارات يتسبب بأنواع عديدة من الأمراض التنفسية والقلبية، كما تسبب الانبعاثات الكربونية ارتفاعًا مستمرًا في درجات الحرارة، مما يؤدي إلى موجات جفاف وحرائق غابات تؤثر على الأمن الغذائي والاستقرار البيئي. على حدٍ سواء.
وتحسبًا لخطورة الوضع البيئي، بادرت الأمم المتحدة والمنظمات العالمية إلى اتخاذ تدابير صارمة لمكافحة التلوث، مثل سنّ القوانين التي تَحُد من استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام، وتشجيع الاقتصاد الدائري الذي يهدف إلى تقليل النفايات عبر إعادة التدوير. ومن أبرز المبادرات البيئية الدولية “اتفاقية باريس للمناخ” التي تهدف إلى تقليل الاحتباس الحراري إلى أقل من (1.5) درجة مئوية، و”اليوم العالمي للبيئة” الذي يتم الاحتفال به سنويًا في اليوم الخامس من شهر يونيو من كل عام لرفع مستوى الوعي البيئي بين الأفراد والمجتمعات، و”مؤتمر نيروبي 2022 “الذي أقرّ اتفاقًا دوليًا ملزمًا لإنهاء التلوث البلاستيكي بحلول عام 2024. ومؤتمر الأطراف السادس عشر (COP16 ) لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD) الذي عُقد في مدينة الرياض، بالمملكة العربية السعودية، خلال الفترة من 2 إلى 13 ديسمبر 2024 ويُعتبر هذا المؤتمر أكبر مؤتمر للأمم المتحدة لحماية الأراضي ومكافحة التصحر، والأول من نوعه الذي يُعقد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يعكس التزام “المملكة” بقضايا البيئة والاستدامة.حيث تسعى كل هذه الجهود – مجتمعة – إلى تحويل الاقتصاد العالمي إلى اقتصاد أكثر استدامة يعتمد على مصادر طاقة نظيفة ومتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
هذا ولا يمكن تحقيق تنمية اجتماعية مستدامة دون الاهتمام بالبيئة، إذ تؤدي الممارسات البيئية غير المسؤولة إلى خسائر اقتصادية هائلة، فعلى سبيل المثال، تشير الدراسات إلى أن التدهور البيئي في “المملكة العربية السعودية” يتسبب في خسائر تتجاوز (80) مليار ريال سنويًا نتيجة التلوث والاستهلاك غير المستدام للموارد الطبيعية.
إن حماية البيئة ليست مسؤولية الحكومات والمنظمات فحسب، بل تتطلب وعيًا مجتمعيًا يبدأ من الأفراد. حيث يمكن لكل شخص الإسهام في تقليل التلوث عبر تبني ممارسات صديقة للبيئة، مثل تقليل استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام واستبداله بمواد قابلة للتحلل. وإعادة التدوير والتقليل من استهلاك المنتجات غير الضروري، وترشيد استهلاك المياه والطاقة للحد من الهدر وتقليل الانبعاثات. والمساهمة في حملات التشجير لتعزيز الغطاء النباتي وتحسين جودة الهواء. إضافةً إلى ذلك، يمكن للمدارس والجامعات نشر التوعية البيئية عبر المناهج الدراسية والأنشطة الميدانية، كما يمكن للشركات تبني استراتيجيات بيئية مستدامة من خلال تقليل البصمة الكربونية لعملياتها الإنتاجية.
إن البيئة مسؤولية مشتركة بين الجميع، وحمايتها تتطلب جهودًا جماعية لضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة. فالبيئة ليست مجرد مورد، بل هي أساس الحياة على هذا الكوكب. فمن خلال التزامنا بالمسؤولية البيئية واتخاذ إجراءات ملموسة، يمكننا أن نُحدث فرقًا حقيقيًا في حماية كوكبنا من التدهور البيئي والتغير المناخي، لنترك إرثًا مستدامًا للأجيال القادمة. فليس لدينا إلا أرضًا واحدة.
